تبدو أجهزة الصرف الآلي في أوروبا بلا حول ولا قوة إزاء لصوص اليوم، المزودين بالتقنيات الحديثة. وهي أكثر مناطق البنوك ضعفًا، لأنها تفقد قدراتها الدفاعية الذاتية حال فصلها عن الكهرباء، وهي قابلة للعطب أسرع من غيرها. لهذا، حرص علماء من جامعة زيورخ التقنية على تزويدها بالقدرة على الدفاع عن النفس في كافة الأوقات، وبغض النظر عن التيار الكهربائي.
يمكن لأجهزة الصرف الآلي القادمة أن تكون مضادة للتدخين، أي ترفض خدمة المدخنين، كما يمكن لها أن تحرق أصابع من يلعب بالنار. وسيقع على اللص أن يفكر أكثر من مرة قبل أن يحاول اقتحامها عنوة، أو كسر شيفرة عملها، لأنها يمكن أن تطلق رغوة حارة تلون وجهه ويديه بألوان لا تزول بسهولة، وتجعل شخصيته بالتالي عرضة للكشف من الشرطة لفترة طويلة.
سبق للعلماء أن حاكوا شبكات العنكبوت بغية انتاج ألياف أقوى من الحديد، وقلدوا المواد التي تلتصق بها الأصداف البحرية على الصخور لانتاج لاصق خارق لمختلف الأشياء والمواد، وقلدوا جلد الدلفين لإنتاج طوربيدات فائقة السرعة. واستمد علماء زيورخ تقنية الصراف الدفاعية من الطبيعة أيضًا، بعد أن قلدوا آلية دفاع تسمى بالجعل المدفعي.
كسبت هذه الحشرة سمعتها المدفعية من قدرتها على مواجهة الأعداء عن طريق اطلاق غيمة هلامية حارة ترعب الحيوان المهاجم. ففي حالة الخطر، يجم ع الجعل موادًا كيميائية في مؤخرة جسمه، ويحصل تفاعل كيميائي انفجاري بين بيروكسيد الهيدروجين والهايدروشينين، وينتج عن الانفجار، الذي يجري بمساعدة انزيم خاص، غيمة ساخنة جدًا تدفع الحشرة المهاجمة إلى الفرار.
أنتج يان شتارك وزملاؤه، من جامعة زيورخ التقنية، شريحة كيميائية غاية في الرقة، تعمل بنفس آلية عمل التفاعل الكيميائي في الجعل الانفجاري. وصنع العلماء الشريحة من عدة طبقات تتخللها غرف صغيرة تحتوى على مادتي بيروكسيد الهيدروجين وديوكسيد المنغان، وتحل المادة الثانية هنا محل الهيدروشينين والانزيم.
.jpg "صورة رقم 2 - سويسرا: صراف آلي يمكنه الدفاع عن نفسه!!")
وكانت النتيجة عبارة عن شريحة شفافة متفجرة، رخيصة الانتاج ومضمونة الفعالية، يمكن لصقها على المكونات الداخلية لجهاز الصرف الآلي، وتؤدي إلى حدوث انفجار صغير حينما يبدأ اللص بالعبث. ظهر من التجارب في المختبر، على ورقة نقدية من فئة 5 يورو، أن العبث بالآلة يسبب انفجارًا صغيرا يطلق بخار ماء ورغوة ملونة ساخنة تقترب حرارتها من 80 درجة مئوية. ويقارن العلماء بين هذا الانفجار وما يحدث من انفجار في حجرة توليد الطاقة في محرك السيارة التقليدية.
ويمكن للشريحة الرقيقة، بحسب علماء زيورخ، أن تحمي الكثير من المكائن الأخرى أيضًا، وخصوصًا أبواب السيارات المدرعة التي تستخدم في نقل أموال البنوك، وخزائن المال في البيوت والفنادق، وفي كافة السطوح التي لاينبغي أن تصل إليها أصابع العابثين. مثال ذلك، بحسب شتارك، تغطية أشجار المناطق البيئية المحمية، لمنع لصوص الغابات من الوصول إليها. وسعر الشريحة ليس مرتفعًا جدًا، لأن المتر المربع منها، في المرحلة الأولى من الإنتاج، سيكون سعره بين 30 إلى 40 يورو.
.jpg "صورة رقم 3 - سويسرا: صراف آلي يمكنه الدفاع عن نفسه!!")
يمكن للانفجار أن يلون الأوراق النقدية المسروقة ويجعلها غير صالحة للصرف. هذا ليس كل شيء لأن هذه المادة مصممة كي "تسرق" الحمض النووي للص الذي يلامس الجهاز أو الأوراق النقدية، ويسهل بالتالي على رجال الشرطة ملاحقته. وإذا كان اللون الناتج عن الانفجار سيلون يدي ووجه اللص لأيام، فإن طبعة الحامض النووي خاصته ستبقى لدى الشرطة إلى حين الكشف عن شخصيته، ومن ثم القبض عليه.
وعلى أي حال، هذه ليست المرة الأولى التي يحاكي فيها شتارك وفريق عمله الطبيعة في انتاج المواد المضادة للدخلاء. وسبق لهم أن كشفوا عن الانزيمات التي تطلقها ثمار الفواكه ضد الحشرات الناخرة لبذورها، وانتجوا على هذا الأساس مواد مماثلة، لكن اقوى مفعولًا ضد الحشرات، ولا تنفجربوجه الحشرة الدخيلة إلا إذا حاولت التهام مادة الثمرة أو مس بذورها. واختصر شتارك عمل فريقه بالقول: "إنه اكتشاف آلية الدفاع الصغيرة في الطبيعة وتحويلها بالتقنية الحديثة إلى آليات دفاعية كبيرة".
.jpg "صورة رقم 4 - سويسرا: صراف آلي يمكنه الدفاع عن نفسه!!")
وتفتخر جامعة زيورخ بأنها صنعت أرق شريحة صناعية في العالم من سمك يقل عن نانو واحد. والنانو هو جزء من بليون جزء من المتر. وذكر الباحث يونغ غيو بيارك، رئيس قسم العمل على المواد الجديدة، أن الشريحة تتألف من عدة طبقات، تمرر الهواء وجزيئات المواد الصغيرة، ولا تمرر الجزيئات الكبيرة مثل جزيئة الماء. وثبت مخبريًا أن الملابس التي صنعت بواسطة هذه الشريحة تسمح بتنافذ الهواء 1000 مرة أفضل من أي نسيج آخر يستعمل في صناعة الملابس الرياضية. ثم أن النسيج الجديد منيع على المطر، ويمكن استخدامه في تبطين العديد من الأجهزة التي يفترض أن تكون مضادة للماء، مثل الأسلحة، والمكائن الدقيقة وما إلى ذلك.
