يسج ل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بركلة بارعة من قدمه اليمنى، أول أهداف فريقه في لقاء كروي خيري، فيصرخ المعلق الرياضي فرِحاً: "هدف رائع نهديه لغزة وأهلنا في فلسطين". وقبل أن يفهم أحد العلاقة بين الهدف وما يحدث في غزة، يسج ل أردوغان هدفين آخرين، مشعلاً حماسة الجمهور والمعلقين الذين استلهمهم المشهد ليربطوا بين تكتيكاته الكروية وتلك السياسية، وبين ضعف خصومه السياسيين وتجن ب لاعبي دفاع الفريق الخصم في المباراة عرقلته أو إيقافه وهو يهرول بالكرة في اتجاه المرمى.
ولكن في اليوم التالي للمباراة، انشغلت وسائل الإعلام الموالية للمعارضة بصورة رجل آخر يهرول، لا أحد يعرف عنه شيئاً سوى أن اسمه إسماعيل وأنه شوهد يخرج مسرعاً من غرفة القاضي إسلام شيشيك الذي يتابع قضية الشرطيين المتهمين بـ "التجسس" و"التنصت" على الحكومة، وصوت القاضي يهدر من ورائه محذراً: "أهرب يا إسماعيل أهرب"، فيما يقترب أقارب المتهمين ومحاموهم من غرفة القاضي الذي يصر على احتجاز المتهمين في القضية، على رغم انتهاء المدة القانونية للتوقيف المحددة بأربعة أيام.
فجأة تحو ل إسماعيل بطلاً لقصص وروايات في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ اتهمه محامو المتهمين بأنه رجل استخبارات أتى ليلق ن القاضي أوامر الحكومة وكيفية التعامل مع القضية والحكم فيها. ووسط تكهنات متزايدة حول "إسماعيل"، اضطُر وكيل النيابة العامة في اسطنبول إلى إصدار بيان ورد فيه أن الرجل هو شاهد في القضية وأتى ليتأكد من تأمين الحماية له من المحكمة، في حال قد م شهادته. انقسم الإعلام التركي، بين موالٍ للحكومة يتابع أخبار هرولة أردوغان في الملعب ويستشهد بالمحللين الرياضيين على لياقته العالية، وبين إعلام معارض يغطي حكاية "إسماعيل" الذي هرول هرباً من غرفة القاضي، محم لة القصة أبعاداً مؤامراتية خطرة.
لكن القاسم المشترك بينها كان تداولها تصريحات لرئيس الأركان السابق الجنرال إلكر باشبوغ الذي خرج من السجن حديثاً، ليشهد اعتقال من اتهموه وحق قوا معه وزج وا به في السجن، لاتهامه بالتخطيط لانقلاب على الحكومة، مستعينين بأدلة ملفقة وشهود زور، كما يؤكد باشبوغ. وأشار الرئيس السابق للأركان إلى أنه قدم لأردوغان، عندما كان في الخدمة، تقريراً عن جماعة الداعية فتح الله غولن وتغلغلهم في القضاء والأمن وتشكيلهم خطراً على الدولة. وأضاف أن رئيس الوزراء لم يعِرْ التقرير اهتماماً ولم يحرك ساكناً آنذاك، لكنه الآن يطاردهم في كل مكان ويتوعدهم، بعدما اكتشف تجس سهم عليه وتنصتهم على مكالماته الهاتفية.
الجنرال الذي أمضى نحو 4 سنوات في السجن بسبب عدائه لجماعة غولن التي تنص تت على مكالماته وأعد ت ملف اتهامه، لا يعتبر أن ما يحدث للجماعة الآن هو "انتقام إلهي"، ولا يفرح لسجن أعضائها، بل "يتمنى لهم محاكمة عادلة". ولفت إلى أنه "يدرك أن خيوط اللعبة في يد أردوغان الذي لم يحرك ساكناً وهو يرى رئيس أركان جيشه يدخل السجن، والآن يُسجن رجال غولن بناءً على تعليمات من أردوغان أيضاً".لذلك يبدو أن ليس أمام الجنرال المتقاعد الآن سوى أن يتحل ى بروح رياضية ويسل م ببراعة أردوغان في السياسة... وكرة القدم.
تعليقات الزوار | اضف تعليق
