نجح الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك في تحويل روايته الجديدة بعنوان "استسلام" "soumission" إلى حدث سياسي واجتماعي، قبل أن يكون حدثاً أدبياً، وذلك قبل موعد نزول الكتاب إلى المكتبات اليوم الأربعاء. وتدور وقائع الرواية حول انتخابات رئاسية يفترض الكاتب أنها ستجرى في فرنسا في عام 2022 ويفوز فيها مرشح مسلم يدعى "محمد بن عباس" زعيم حزب وهمي هو "الإخوة الإسلامية" بعدما يتمكن من هزيمة منافسته زعيمة "الجبهة الوطنية" "اليمين المتطرف" مارين لوبن. وبهذا "الانتصار" تتوقع أحداث الرواية أن تبدأ مسيرة تحول فرنسا من بلد علماني إلى دولة إسلامية يحظر على النساء العمل فيها ويسيطر الأساتذة المسلمون على جهازها التعليمي ويتغير اسم جامعة السوربون إلى "الجامعة الإسلامية"، ويصبح مركز الثقل بالنسبة إليها في حوض البحر المتوسط.
وليست حملات ويلبيك جديدة على ما يعتبره "خطر الإسلام على فرنسا"، كما أن مواقفه العنصرية ضد المسلمين معروفة أيضاً. فكتاباته معروفة بعدم التقيد بأية محاذير سواء كانت أخلاقية أو سياسية أو دينية. وفي روايته الأخيرة التي تصدر طبعتها الأولى بـ 150 ألف نسخة يضع الفرنسيين أمام ما يسميه "كابوساً خطراً" سيواجهونه، ويرسم إحدى أسوأ الصور لمستقبل فرنسا القريب التي يسودها توتر عرقي يجعلها تبدو على حافة الحرب الأهلية نتيجة انهيار الحزبين الرئيسيين، الحزب الاشتراكي الحاكم حالياً وحزب "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية" "اليمين المعارض".
نجح الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك في تحويل روايته الجديدة بعنوان "استسلام"
"soumission" إلى حدث سياسي واجتماعي،
ولا يتردد ويلبيك في إبراز بعض الجوانب الإيجابية لهذا التحول خصوصاً على صعيد البطالة التي تزول تماماً نتيجة خروج النساء من سوق العمل وكذلك على صعيد الوضع الاقتصادي الذي يشهد انتعاشاً أكيداً بدعم من الدول النفطية. ويستند في كتابه إلى وقائع فعلية، إذ أن الحزب الاشتراكي الحاكم يتخبط من دون جدوى منذ عامين في أزمات مستعصية على الصعيد الاقتصادي والمالي، وكذلك الحزب اليميني المعارض بأزماته وصراعاته الداخلية التي تقلص من إمكان الوثوق به في وضعه الحالي كبديل مغرٍ للحكم الاشتراكي.
كما يستخدم فقدان المعايير الأيديولوجية لدى الفرنسيين الذي يحمل كثيرين منهم على التقر ب من مواقف وطروحات اليمين المتطرف بسبب خيبة أملهم من السياسيين التقليديين وأدائهم السيئ، وصولاً إلى أكثر الاستنتاجات تطرفاً وهو أن فرنسا بوضعها الحالي ستكون عرضة للسقوط في قبضة التطرف اليميني أو الإسلامي بعد تهاوي المبادئ التي تقوم عليها.
تدور وقائع الرواية حول انتخابات رئاسية يفترض الكاتب أنها ستجرى في فرنسا في عام 2022 ويفوز فيها
مرشح مسلم يدعى "محمد بن عباس" زعيم حزب وهمي هو "الإخوة الإسلامية"
ويبدو في حكم المؤكد أن كتاب ويلبيك الجديد سيكون على غرار كتبه السابقة محور نقاش واسع، فالموضوع مثير للجدل، كما أن الكاتب هو من أبرز كتاب فرنسا وحائز على جائزة "غونكور" أرقى الجوائز الأدبية الفرنسية. وكان الرئيس فرنسوا هولاند بين من شاركوا في التعليق على الرواية خلال مقابلة له أمس مع إذاعة "آر تي أل"، حيث سعى إلى عدم التعرض للحرية الأدبية لكنه حث الفرنسيين على عدم السقوط في الخوف.
وأكد هولاند أنه سيقرأ كتاب ويلبيك لأنه محور جدل في البلاد ولأن الأدب هو الحرية لكنه أضاف أن من واجبه دعوة الفرنسيين إلى عدم السقوط في أجواء الخوف والقلق وأن ما يمكن أن يعتبر جرأة أدبية ليس في الواقع أكثر من تكرار لمواقف ميالة إلى التشاؤم توالت دائماً على مر القرون. وتأتي المخاوف التي تثيرها رواية ويلبيك في إطار تنامي تيارات متطرفة معادية للمسلمين في معظم الدول الأوروبية، كما هي الحال في ألمانيا حيث حذرت المستشارة انغيلا مركل من التيارات المعادية للاجئين المسلمين القادمين من دول في الشرق الأوسط، مثل حركة "بيغيدا" التي تضم عناصر نازية وقومية متطرفة.
