تقول المتخصصة في علاج العنف الأسري منى مزاوي ان العام 2010 كان أسوأ الأعوام بالنسبة لمكانة المرأة في المجتمع العربي، فقد قتلت عشر نساء على ايدي أزواجهن في عشر جرائم هي الأبشع في البلاد، وشكلت في حينه هذه الجرائم 50% من مجمل حوادث قتل النساء في اسرائيل. وأضاءت الضوء الأحمر والأضواء الكاشفة الأخرى التي أظهرت ان واحدة من 4 نساء عربيات تتعرض للعنف الأسري. منى مزاوي العاملة في وحدة علاج منع العنف في العائلة التابع لمركز رعاية الولد والعائلة في بلدية الناصرة، والذي يعالج موضوعي العنف الزوجي والأولاد الذين ينكشفون لهذا النوع من العنف في بيوتهم وبيئتهم. تحدثت لمراسلنا عن ظاهرة العنف الأسري، خطورتها، أبعادها، وانعكاسها على الأولاد في اللقاء التالي.
ما هو العنف ضد النساء؟
المتخصصة في علاج العنف
الأسري - منى مزاوي
ظاهرة العنف عانى منها مجتمعنا العربي كسائر المجتمعات الأخرى على مر العصور والتاريخ، ولكن بجهد من المجموعات والحركات النسائية، تمت جدولة هذه القضية على أجندة عمل صناع القرار بحيث لم تعد قضية شخصية وعائلية وانما قضية اجتماعية تحتاج الى علاج على مستوى المؤسسات المختلفة. وأتبع ذلك سن قوانين جديدة ليس فقط توفر الحماية للمرأة وتفرض عقوبات على الجاني، بل انها تلزم المؤسسات الاجتماعية بتقديم خدمات وعلاج لضحايا العنف الأسري، وهم بالأساس الزوجة والأولاد فضلا عن الزوج المعتدي. ومن هنا نشأت بالتالي فكرة اقامة مراكز لمعالجة ضحايا العنف والمعتدين على حد سواء، وأصبح هنالك تخصصات اجتماعية للعمل بين أوساط هذه العائلات.
هل كان من السهل على العائلة العربية تقبل تدخل المؤسسات في مشاكلها؟
المجتمع العربي لا يزال ينظر الى هذا النوع من المشاكل على انها مشاكل عائلية وشخصية، ومن الصعب على العائلات العربية – وخاصة المحافظة منها – تقبل فكرة تدخل المؤسسات في المشكلة من أجل المساعدة في حلها، وهذا يعود بطبيعة الحال الى تركيبة العائلة العربية (العائلة الجماعية) التي تحاول ان تحافظ على المجموعة من التدخلات الخارجية، التي ترى ان تدخلها قد يهدد كيان العائلة وبنيانها في حال تدخل القانون ومؤسسات الدولة في المشكلة العائلية. ومع ذلك فان السنوات الاخيرة تشهد اقبالا ملحوظا لدى العائلات بالتوجه الى المركز وطلب العلاج.
ما هي انواع العنف الأسري؟
هنالك عدة انواع من العنف الأسري، وليس بالضرورة أن يكون العنف جسديا حتى يسمى عنفا، والعنف الجسدي هو شكل الذي من أشكال العنف، وتخريب محتويات البيت من أجل ادخال الخوف والذعر لنفوس المرأة والأولاد، هو شكل آخر من أشكال العنف، وهناك عنف كلامي، وعنف نفسي، يتمثل باهانة الزوجة واذلالها بكلام يؤذي الضحية وتعرض من يمارسها الى العقوبة التي يفرضها القانون، هنالك ايضا العنف النوعي، وهنالك مصطلح جديد أصبح متعارفا عليه وهو العنف الاقتصادي، وهو إما من خلال التصرف براتب الزوجة من خلال التسلط عليه، او حرمانها من مصروف البيت واحتياجاته.
تعالج منى مزاوي في وحدة علاج منع العنف في العائلة، بالاضافة الى طاقم من العاملات المتخصصات، أنماط مختلفة من العنف السائدة في العائلات، اولها العنف التقليدي المتمثل بتسلط الزوج ويكون هو المعتدي بينما الزوجة هي الضحية، وهذا ليس في المرتبة الأولى بين حالات العنف بل ربما هو الأقل. أما النوع الثاني فهو العنف المتبادل من الطرفين ولكن بمستويات مختلفة، العنف الجسدي والكلامي من قبل الزوجة للزوجة، مقابل رد فعل كلامي ونفسي تنهال فيه الزوجة على الزوج بالاهانة والشتيمة والإساءة، وهو النوع الأكثر شيوعا وكثيرا ما يشتكي الأزواج خلال العلاج من عنف الزوجة واهانته وتحقيره. والنوع الثالث من العنف بين الأزواج يجيء على اثر أزمة تعصف بالعائلة، والأزمة ليس بالضرورة أن يكون حدث عظيم، بل ربما يكون ولادة ابن جديد للعائلة ويستعصي على الزوجين التأقلم مع الواقع الجديد، فتحدث أزمة. مثال آخر حالة فقدان في العائلة، فصل أحد الزوجين من عمله ودخولهما الى سوق البطالة وأهمها أزمة طلاق غيرها، وهذا ينعكس سلبا على العائلات التي كانت تدير شؤونها بشكل اعتيادي مع بعض التوترات هنا وهناك.
هل هنالك احصائيات تبين مدى انتشار ظاهرة العنف في المجتمع العربي؟
ربع النساء العربيات مضروبات
تشير الإحصائيات الى ان واحدة من كل اربع نساء في مجتمعنا تعاني من العنف في العلاقة الزوجية، في العام 2010 قتلت عشر نساء عربيات على يد أزواجهن، من أصل 20 امرأة قتلت في إسرائيل في ذلك العام، وكان هذا أكثر معطى مقلق بشكل استثنائي، لأن الأعداد انخفضت في العامين الأخيرين. ومقارنة مع المجتمع الإسرائيلي فإن امرأة واحدة من كل 7 نساء تعاني من العنف. هذه المعطيات تفيد بأن ربع النساء العربيات مضروبات، وربع العائلات العربية تعيش داخل علاقات زوجية مريضة، ينعكس تأثيرها على الأولاد، والخطورة تكمن في ان نسبة ضئيلة جدا من هذه الحالات تصل الى العلاج. وتؤكد منى ان الحالة التي يصل فيها الأزواج الى العلاج قبل تدخل القانون، تكون نتائجها أفضل ونسب نجاح العلاج فيها أعلى بكثير، لأن تدخل القانون قد يزيد من الأزمة الزوجية غضب الزوج وكثيرا ما يحدث تراجع في العلاج بدل التقدم فيه، وهذا يحتاج الى تجنيد طاقات أكبر للعلاج.
من هي الفئة المصنفة "عنيفة" في المجتمع؟
هذه المشكلة تعكس كل شرائح المجتمع بدون استثناء اية فئة، من كل الطوائف ومن كل الشرائح والمستويات الاجتماعية والمادية، فقد يصل للعلاج عاطل عن العمل، وقد يصل انسان أكاديمي متعلم، او في أي منصب مرموق آخر، لأن السلوك العنيف هو مكتسب، وهو غير مرتبط بشكل مباشر بالمستوى المادي والمعيشي، ربما الضغوطات المادية والحياتية تفاقم الظاهرة، ولكنها ليست سببا مباشرا لها. فالعنف قضية شخصية متعلقة بثقة الشخص بنفسه وبقدرته على التحكم بالغضب السيطرة على نفسه في حالات الضغط والتوتر، بشكل لا يجعله يؤذي نفسه أو الآخرين.
كيف ينعكس العنف على الأولاد؟
الأولاد الذين يعيشون في ظل العنف بين الوالدين، يكونون عرضة لاسقاطات ولأذى لا يختلف عن الولد المعنف، فهم يتأثرون اجتماعيا ونفسيا وتعليميا، فالولد يشعر دائما بأن والديه هما المثل الأعلى له، وهما ملجأه وموضع حمايته، فالوالد في نظر ابنه هو الأقوى والأفضل، وأمه هي منبع الحنان والحماية له، وعندما يعيش الولد في ظل العنف لا يعود يشعر بأن والديه مصدر الأمان، فالأم تكون ضعيفة ومهيضة الجناح، والوالد متوتر وعنيف، لذلك هو يشعر بالخوف، ويعيد في مخيلته سيناريو أحداث العنف بين والديه، ويعيش بحاة خوف وترقب دائمين ويخشى من انهيار العائلة وهذا يؤثر عليه على كل المستويات.
كيف يصل الأزواج للعلاج، بتوجه مباشر ام من عن طريق مؤسسات؟
يصل الأزواج الى العلاج في وحدة منع العنف الأسري بشكل مباشر إما عن طريق دائرة الخدمات الاجتماعية أو المحاكم، أو عن طريق الشرطة، أو عن طريق المستشفيات، أو المستشارات التربويات في المدارس، وفي هذه الحالات يتم تشخيص ظاهرة العنف بين الزوجين ووضع خطة عمل وعلاج مركزة لفترة معينة دورية وثابتة،أو عن طريق برامج توعية وقائية في الأحياء يتم الكشف عن بعض الحالات.
لماذا يلجأ الرجل الى العنف؟
يلجأ الرجل الى بسط
سيطرته ونفوذه وسلطته
المجتمع العربي التقليدي المحافظ، يضع الرجل في مكانة أعلى من المرأة، ويمنحه صلاحيات ونفوذ أكبر داخل العائلة، لذلك فانه يلجأ الى بسط سيطرته ونفوذه وسلطته كوسيلة للظهور في المجتمع كما يظنه الآخرون، فالرجل العربي في القرن الواحد والعشرين لا يزال متأثرا من تعريف الرجولة التقليدية التي من خلالها ينبغي له ان يكون المسيطر والمعيل في العائلة، وعندما يشعر بأنه غير قادر تحقيق ذلك فانه يشعر بالفشل وبخيبة الأمل، فيتولد لديه شعور بالغضب ويلجأ الى استخدام العنف ضد الحلقة الأضعف (الزوجة والأولاد)، كوسيلة يستعيد فيها نفوذه وسيطرته.هنالك ديناميكية مثيرة في العقلية العربية حتى المحافظة.. وجيل بعد جيل تتكشف هذه الصراعات وتتضح تدريجيا، لأن المرأة تطلب ان تكون شريكة، والرجل بالمقابل يفهم ويستوعب هذه الضرورة وهذا المطلب، مع انكشاف كل الأطراف على المجتمع الفردي وغير التقليدي، ولكنه يبقى في صراع مع تقاليده التى نشأ وتربى عليها، وهي ان الرجل هو المسيطر، وهو القوي وهو من يحصل اللقمة من فم الطير، وهو الذي يمنع حتى من التعبير عن مشاعره فهو لا يبكي ولا يضعف، لذلك يحاول ان يملأ هذه المكانة والتعريفات التي انيطت به. فاذا لم يكن الرجل الشاب والمرأة الفتاة يتمتعان بالحصانة الذاتية في إدارة شؤونهما وحياتهما الزوجية، ويجيدان النقاش في هذه الأمور فإنها ستنعكس مشاكل وخلافات في عشهما الصغير الذي ما زال يبني نواته الأولى.
كيف يمكن تشخيص الخطر، قبل وقوع جريمة قتل؟
تشخيص الخطر هو أهم هدف في عملنا، وبناء برنامج حماية للأفراد المتضررين في العائلة، تشخيص الخطر يتم عن طريق تعبئة نموذج أ استمارة، يمكن من خلال تحليلها استشعار حالات الخطر، وتتضمن هذه الاستمارة، أسئلة تشير الى نوعية العنف الممارس على المرأة، ووتيرة الاعتداء، وقوة الاعتداء، ثم نستدل على مشاكل نفسية موجودة في خلفية الزوج، أو أحداث مفصلية فارقة في حياتهما، ثم نفحص اذا ما كان الزوجان في مرحلة انفصال، وهذا أمر مهم لأن المعطيات تشير الى ان معظم حالات القتل كانت في مرحلة انفصال عن الرجل، لأن نقمة الرجل تتضاعف عندما تدير له المرأة ظهرها وتتخلى عنه وعن بيتها. واذا تم استشعار خطر على حياتها يتم ابلاغها بذلك، وعرض خيارات عليها تضمن وتوفر الحماية لها، ومن بينها نفحص العائلة الأولى للمرأة، ونحن هنا لا نقلل من قيمة الملجأ في توفير الحماية، ولكن نحن نود ان نلائم العلاج بشكل يكون فيه منفعة أكبر للمرأة، ونرافق عائلة الزوجة بشكل مكثف بحيث لا تتم اعادتها الى وضعية الخطر، شريطة ان توافق هي على هذا الخيار. وفي حالات أخرى تتوجه الزوجة للقانون (عندما لا تكون العائلة قادرة على توفير الحماية لها) فانها توجه الى ملجأ.
هل كانت لديكم حالات انتهت بقتل الزوجة؟
ظاهرة العنف الأسري
خطيرة وشائعة جدا
نعم.. في العام 2001 كانت لدينا حالتين، وما دمنا نعمل في هذا المجال تبقى هذه الاحتمالات واردة، فالظاهرة خطرة وقد تنتهي بالقتل، ولكن من خلال قدرتنا على تشخيص الخطر يمكننا القول ان الغالبية العظمى من النساء المضروبات لسن في خطر القتل، لكنهن في خطر الاعتداء الجسدي الأذى.
كيف يكون العلاج؟
يكون العلاج أولا في مسار علاج فردي، حتى نهيئ الطرفين للجلوس معا، لكي لا يكون هنالك ضغط من قبل طرف على الطرف الآخر، أو تبادل التهم بين الطرفين، وذلك من خلال بناء علاقة ثقة وأمان يستطيع من خلالها الزوجان التعاون والتفاعل في البرنامج العلاجي. فمع الضحية يتطرق العلاج لتدعيم المرأة، رفع الوعي والمساعدة لديها في تلقي الحقوق والخروج من دائرة العنف، وتمكينها من القدرة على اتخاذ القرارات بشأن حياتها ومصيرها بنفسها. أما المعتدي (الزوج) فيتطرق العلاج معه الى مميزاته الشخصية والخلفية العائلية، ويمنحه العلاج الدعم والاحتواء للصعوبات التي يظهرها بهدف تخليصه من السلوك العنيف واكتساب بدائل ايجابية للتعامل في حالات الغضب. وفي المرحلة الثانية يكون هدف العلاج الزوجي تذويت التغييرات الحاصلة من العلاج الفردي وممارستها ضمن العمل المكثف مع الزوجين.
نصائح لمنع العنف الاسري
ظاهرة العنف الأسري خطيرة وشائعة جدا، تؤدي الى تفكك وانهيار العائلات. وعلاجها يتطلب تدخلات مهنية على المستويات المختلفة من اجل منع تفشيها وانتشارها الى جانب ادخال التغيير على التفكير النمطي الذي لا زال يعطي شرعية لهذه الظاهرة، وان تكون هنالك شراكات مع رجال الدين وتوسيع القاعدة التي تنبذ وترفض هذه الظاهرة بإشراك رجال الدين والسياسة وصناع القرار وتنشئة جيل جديد على قيم وأخلاق تتقبل الغير وتقبل المختلف.
ملاحظة: الصور للتوضيح فقط.