في الجزء الأول من هذا الموضوع، الذي يتطرق الى مهارة وقدرة بعض الحيوانات البرية على الشجار العنيف وتوجيه لكمات شديدة الضراوة والقساوة لبعضها البعض. فحين تتقاتل الحيوانات تفعل ذلك ليس بهدف الفوز او اثبات النفس فقط، وانما تعتبر القتال صراع من أجل البقاء.. اقرأ الجزء الأول من الموضوع هنا: صور أقوى اللكمات والركلات توجهها الحيوانات لبعضها بكل عنف (1).
في استراليا، يشير وجود العضلة ذات الرأسين المنتفخة لدى ذكور حيوان الكنغر إلى أنها تميل أكثر من غيرها إلى الانخراط في شجارات ومشاحنات؛ دافعها التزاوج. وفي مأوى لحيوانات الكنغر في مدينة أليس سبرينغز، يعيش حيوانٌ من تلك الحيوانات يُعرف باسم "روجر"، حققت المقاطع المصورة التي يظهر فيها رواجاً كبيراً للغاية بفضل عضلاته التي مَكَنَتَهُ من سحق دلو معدني في إحدى المرات.
حيوانات الكنغرو في شجار عنيف جدا
ووفقاً لدراسة أُجريت عام 2013، تشكل الأطراف الأمامية النامية بشكل أكثر من اللازم لدى بعض ذكور حيوان الكنغر إحدى نتائج ما يُعرف بـ"الاصطفاء النوعي". وتتبادل ذكور هذا الحيوان اللطمات وتتصارع لحسم التنافس بينها على التزاوج مع الإناث. وبطبيعة الحال تكون الذكور صاحبة العضلات الأضخم ذات أفضلية أكبر.
لكن الكنغر يتميز بشكل أكبر في رياضة "الكيك بوكسينغ" التي تجمع بين توجيه اللكمات والركل بالسيقان كذلك. فالذكور المسيطرة تُمسك بخناق غرمائها، وتستخدم ذيلها لحفظ توازنها خلال توجيهها للضربات بسيقانها القوية التي تنتهي ببراثن حادة.
اثنان من حيوانات الكنغر الشرقي الرمادي يتبادلان اللكمات
وتستخدم حيوانات الكنغر أسلوب الركل هذا للدفاع عن نفسها أيضاً. ويمكن أن يشهد على ذلك الكثير من الأشخاص تعساء الحظ، الذين يقومون بجولات سيرٍ على الأقدام بصحبة كلابهم في استراليا. وما دمنا نتحدث عن الركل، فعلينا القول إن تلقي ركلة من حيوان ذي حافر سيكون أشد وقعاً.
ولاشك في أن أي شخص قضى بعض الوقت مع الخيول، يعلم كم تستطيع توجيه ركلة مزعجة للغاية، خاصإذا ما استجمع الحصان قوته لتوجيه ركلة قوية بساقيه الخلفيتين في آن واحد. لكن البراهين التي تثبت ذلك مُستقاة من الحكايات والروايات لا أكثر. ومن المعروف أن الحُمُر الوحشية أصعب في ترويضها من الخيول، وهو ما قد يشكل سبباً لانتشار فكرة أن ركلاتها أكثر وحشية من نظيراتها التي توجهها الخيول.
حمار وحشي يوجه ركلة بقدميه لحمار آخر
وقد كر س الباحث تيم كارو من جامعة "كاليفورنيا دافيس" الجانب الأكبر من مسيرته المهنية لدراسة الحُمُر الوحشية إلى حد أنه تنكر ذات مرة في زي حمار وحشي، بهدف دراسة هذه الحيوانات في البر ية. وفي كتابه الذي صدر عام 2016 بعنوان "خطوط الحمار الوحشي"، يصف كارو كيف يتعامل نوعٌ من أنواع الحمار الوحشي يُعرف باسم "حمار الزرد السهلي" مع الحيوانات التي تحاول افتراسه. وأظهر فيلمٌ مُصور هذه الحُمُر وهي تركل أسوداً في صدورها. ولكن ما من سجلات أو تسجيلات علمية تشير إلى أن هذه الركلات كانت قاتلة.
وبوسع حيوانات أخرى أن تركل بدورها، بما في ذلك النعام والزرافات. فقد وُثِقت وقائع لكلا الحيواني ن وهما يركلان - بل ويجرحان - حيواناتٍ تفترسهما وتفوقهما حجماً. وفي عام 2016، تضمن البرنامج الوثائقي "بلانيت إيرث الجزء الثاني" لقطات رائعة لزرافة وهي تلحق الهزيمة بأسدٍ عبر ركلة وجهتها بعناية إلى نقطٍةً في جسده. وما من عجب في أن يصبح للزرافة القدرة على أن تكيل ذاك العقاب القاسي والخطير للأسد، إذا ما وضعت في اعتبارك أن "ملك الغابة" ربما كان يُعْمِلُ في الوقت نفسه أنيابه الشرسة في كعوب سيقان هذا الحيوان.
زرافة تقتل أسد عبر ركلة عنيفة
لكن مثل هذه التحركات الدفاعية لا تهدف لقتل الغريم بقدر ما تبتغي صده. وبعيداً عن إمكانية أن تصيب ركلةٌ من ركلات الزرافة هذه - عن طريق الصدفة - العمود الفقري للأسد أو فكيه ما يؤدي إلى هلاكه، لا تشكل الركلات في أغلب الأحيان سوى وسيلة لإلهاء هذا الحيوان المفترس، ما يمنح فريسته طويلة الساقين الفرصة لكي تلوذ بالفرار، واصلةً إلى مأمنها.
والآن، إذا أردت أن ترى ضربات مميتة حقاً، فعليك النظر إلى مخلوقات مفترسة، خاصة تلك التي يكون غذاؤها صعب المراس. موعدنا الآن مع طائرٍ يجوب المراعي في دول أفريقيا جنوب الصحراء، مُطارداً فرائسه في تكتم، وهو "الطائر الكاتب"، أو "الطائر السكرتير".
ويصف الباحثون في شؤون المخلوقات المفترسة هذا الطائر بأنه "نسر النينجا ذو الساقين الطويلتين". ورغم أن شكل ذلك الطائر قد يبدو مثيراً للضحك والسخرية بشكلٍ كبير، فإنه يتغذى في واقع الأمر على الثعابين السامة، بعدما يهلكها بركلة واحدة قوية للغاية على رأس كلٍ منها. وأُطلِق على الطائر لسبب ما غامض لم يُعرف بعد - اسم مادلين. واكتشف الباحثون أن "مادلين" نجح في توجيه ركلات تفوق في قوتها وزنه بخمسة أو ستة أضعاف، وذلك في فترة زمنية لا تتجاوز عُشر الوقت الذي يستغرقه الإنسان للرمش بعيني ه مرة واحدة.
"الطائر الكاتب" يبدو مخيفا
وربما يكون هذا الأسلوب في الصيد قد استُخدِم من قبل من جانب طيورٍ عاشت في أمريكا الجنوبية في عصور ما قبل التاريخ، وحملت بجدارة اسم "طيور الرعب". وبالمناسبة، كانت هذه المخلوقات ضخمة الحجم، ولا تستطيع الطيران. ويقول العلماء إن النوع الذي تنتمي إليه تلك الطيور تمتع بسيقانٍ قوية للغاية. وقد خَلَصَ الباحثون إلى هذه النتيجة بفضل تحليل شظايا العظام التي عثروا عليها.
وقد دفع ذلك العلماء إلى استنتاج أن "طيور الرعب" هذه ربما تكون قد اعتادت أن تنهال على فرائسها بتلك الركلات القوية المُهشِمة للعظام، وذلك كوسيلة للوصول إلى نخاع العظام المُغذي الموجود بداخل عظام الفرائس.
تعليقات الزوار | اضف تعليق
