روت كوكب الشرق ام كلثوم في احد لقاءاتها، سر "الصفعة" التي تلقتها من والدها لأول مرة على خشبة المسرح بعد ان شتمت الجمهور!. وقالت انها كانت تغني في إحدى الليالي، سنة 1926، وتقدم كعادتها المدائح النبوية والقصائد، ولكن الجمهور طالبها أن تتوقف عن الغناء، وتغنى لهُم الأغاني السائدة مثل (بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة)، ولكنها رفضت، فتعالت أصوات الجمهور، وهجم بعضهم على المسرح، ففقدت أم كلثوم أعصابها، وثارت وشتمتهم واذا بأبيها يصفعها بيده. وتقول: انسحبت من المسرح تلك الليلة، أجر دموعي!
وحكت أم كلثوم عن العاصمة، وكيف رأتها بأعيُن الفتاة الريفية: "كانت القاهرة عندما بدأنا نستقر فيها سنة 1926، كالمريخ كُل شيء نكتشفه لأول مرة، البيوت مختلفة، الشوارع مختلفة، والجمهور مختلف".
عانينا كثيرًا من التعامل مع متعهدي الحفلات كان أبي طيب القلب، خالص النية في تعامله
كما عقدت مقارنة سريعة بين طقوس الأفراح والمناسبات، التي كانت تُدعى إليها في القرية وفي العاصمة: "في الريف، كان صاحب الفرح يأتي إلينا مباشرة إلى أبي، للاتفاق على الغناء، ولكن في القاهرة لا بُد من وجود متعهد حفلات، والمتعهد هو الذي يتفق من ناحية أصحاب الفرح، ثُم هو الذي يتفق مع المطرب أو المطربة من ناحية أخرى، ويعد لهُ مكان الغناء ويتولى الدعاية لهُ بين الجمهور".
لم يكُن تعامل أم كلثوم ووالدها سهلاً في البداية، كما تذكر: "عانينا كثيرًا من التعامل مع متعهدي الحفلات، كان أبي طيب القلب، خالص النية في تعامله، وكان العمل في القاهرة يتطلب صفات مختلفة، ويبدو أن منظر أبي كرجل ريفى، ومنظري كفتاة صغيرة، بالعقال والبالطو، يظهر أن هذا كان يغرى متعهدى الحفلات أحيانًا بالضحك علينا".
ومع الوقت، بدأ والدها يكتسب الخبرة شيئًا فشيئا، يكتسب الخبرة في التعامل مع متعهدى الحفلات، بحيث لا ينخدع منهم بهذه السهولة، وحينها بدأت المشاكل مع المتعهدين تختفى، لتحل محلها مشاكل أخرى مع الجمهور نفسه. كان الجمهور يأتي في البداية، لكي يسمع غناء، وأحيانًا ليسلي نفسه، ويسهر، وإذا سمع مطربًا، فالغناء لابُد أن يتماشى مع مقتضيات السهرة، "لزوم الفرفشة"، تزامنًا مع موجة الطقاطيق الخفيفة، و"الخليعة" غالبًا التى كانت تملأ الصالات الغنائية.
ففقدت أم كلثوم أعصابها وثارت وشتمتهم واذا بأبيها يصفعها بيده
وعن حادث "صفعة ام كلثوم"، بدأت أحداثه عندما كانت تغني أم كلثوم في إحدى الليالي، سنة 1926، في كازينو "البوسفور"، الذي كان يقع في ميدان المحطة، ميدان باب الحديد "رمسيس"، حاليًا، وكان رسم الدخول للسهر في الكازينو، 5 قروش.
تقول أم كلثوم: "وفي تلك الليلة، بدأت أغني كالعادة في العاشرة مساءً، ولم تكن هناك آلات تصاحبني في الغناء، كان أفراد التخت 4، منهم أبي وأخي خالد، وكُنت أرتدي العقال والبالطو الأزرق، وأغني المدائح النبوية والقصائد، بدءًا من (سبحان من أرسلهُ رحمة لكل من يسمع أو يبصر)".
وأضافت: "بعد قليل، بدأ أفراد الجمهور يطلبون مني أن أتوقف عن الغناء، وأغنى لهُم الأغاني السائدة، مثل (بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة)، ولكني رفضت، واستمريت في الغناء (سبحان من أرسلهُ رحمة)، وفي هذه اللحظة، بدأت الأصوات تعلو من الجمهور، لكي ترغمني على التوقف".
في القاهرة لا بُد من وجود متعهد حفلات والمتعهد هو الذي يتفق من ناحية أصحاب الفرح
لم تقف المسألة عند هذا الحد، بل وقف أفراد منهم وهجموا على المسرح، وهم يريدون إغلاق الستائر، وفي هذه اللحظة فقدت أم كلثوم أعصابها، فمن جاء إلى الكازينو يعلم مسبقًا من التي ستغني، من خلال الإعلان المُعلق على الباب، ويعلم أيضًا أن الأغاني التى يريدها، لها أماكن أخرى تُغنى فيها، فما معنى هذا الصفير؟.
ووسط صفير الجمهور "المُزعج"، أكملت أم كلثوم ليلتها، حتى ثارت عندما هجم الجمهور على المسرح، يحاولون إغلاق الستار، كما تقول: "وفي الواقع أنني شتمت هؤلاء الأفراد من الجمهور، ولم أنتبه إلا وأبي يصفعني بيده". تتذكر أم كلثوم تلك الواقعة: "كانت تلك أول مرة أتلقى فيها مثل هذه الصفعة من أبي، وبكيت وقتها لأنني على حق، ولكن أبي كان أوسع مني إدراكًا، فهو ضربنى أمام هؤلاء الأفراد الثائرين من الجمهور لكي يرضيهم، عندما رأى الشر في عينهم".
فيما فسر ت ذلك: بـ"خشى أبي أن يحدث لى مكروه، وأن يؤذيني هؤلاء الأفراد السكارى، فتطوع بمعاقبتى عنهم، كما أنه أراد أن يلقنني درسًا في الأدب، فمهما كانت الظروف، لا يجوز لي أن أشتم واحدًا من الجمهور، ولا يجوز أن أتفوه بلفظ ناب واحد، حتى ولو كان معي الحق في ذلك، وانسحبت من المسرح في تلك الليلة، أجر دموعي".
تعليقات الزوار | اضف تعليق
