spacer
باستخدامك موقع موقع فرفش تكون موافق على سياسة الخصوصية الخاصة بالموقع
spacer
spacer
farfesh Twitter Page
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer
مسلسلات رمضان 2024
spacer
spacer
spacer
spacer
spacer

سناء السعيد.. شاعرة من الناصرة رحلت بصمت

كتب ناجي ظاهر
راسلونا: news@farfeshplus.online

رحلت عن عالمنا في احد ايام الصيف الماضي الشاعرة سناء السعيد، ابنة مدينة الناصرة، عن عمر قارب الخمسين عاما. رحلت بصمت بعد سنوات من معاناتها للمرض العضال، تاركة وراءها ديوانا شعريا وحيدا وحفنة من الذكريات في اماكن كانت فيها، ولدى قلة من ابناء بلدتها.

عرفتُ بوفاتها في الفترة الأخيرة، وكما يحصل عندما يبلغنا نبأ وفاة انسان عرفناه عن قرب، لم اصدق ما استمعت اليه، فسناء كانت قبل فترة تتدفق حلما، انسانية وخفرا. كانت معرفتي بوفاتها مصادفة غير طيبة فسألت عددا من الاصدقاء عما اذا كانوا سمعوا بما سمعت به، ولم احظ بإجابة شافية، وكان أن أجريت اتصالا الكترونيا بأختها الشاعرة الكاتبة إيمان مصاروة المقيمة في القدس، فجاءني النبأ الصاعق، ان سناء غادرت عالمنا في الصيف الماضي.. قبل قرابة العام.

عرفت سناء في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، خلال فترة عملي محررا أدبيا في هذه الصحيفة او تلك، وكنت أفاجأ بها تأتي بين الحين والآخر لتقترح علي قراءة واحدة مما كتبته من قصائد واشعار، تقترح للقراءة لا اقول للنشر، فما كان مني إلا أن ابادر لنشر ما تتقدم به إلي، على اعتبار انه وليد موهبة واضحة وتستحق أن يقرأها الناس.

علاقتي بهذه الشاعرة تواصلت الى اوائل الثمانينيات، وتواصل النشر لها في العديد من الصحف التي عملت فيها، وأذكر أنني نشرت لها في صحيفتي" الراية" و" الميدان"، اللتين أصدرتهما حركة أبناء البلد، إبان تلك الفترة وعملت فيهما محررا أدبيا، بعدها نشرت لها في صحيفة "الجماهير" ومجلة "الاداب" اللتين أصدرهما الصديق الكاتب الصحفي عفيف سالم، رحمه الله، واشير هنا بالمزيد من المحبة إلى ماض ما زال ساريا امام ناظري ويشدني خيط دقيق إليه من الذكريات، أن عفيفا آمن منذ قراءته الأولى لبعض مما نشرناه لسناء بموهبتها فبادر إلى تشجيعها، وقام في تلك الفترة بنشر عدد وفير مما كتبته، بل تجاوز هذا للمبادرة إلى نشر ديوانها الشعري الأول والوحيد " لن اقول وداعا" وقد كان لي شرف المساهمة في اختيار هذا العنوان، أما سبب اقتراح عنوان مثل هذا فقد قام على رؤية متعمقة لما كتبته سناء، فقد كان بإمكان من تتاح له قراءة ما كتبته شاعرتنا، لمس ذاك الاسى الشفاف الكامن وراء كل كلمة كتبتها. وكان الوداع أحد مركبات كتابتها الشعرية الملموسة، الجلية والواضحة.

بعد إغلاق الصديق المرحوم عفيف سالم لمكتبه الصحفي، وتوقفه عن الإصدار لأسباب لا مجال لعرضها الآن، انتقلت للعمل محررا ادبيا في صحيفة "الصنارة"، وقد كنت افاجأ بالصديقة سناء تطرق باب مكتبي لتدخل بخفر ميزها، وأذكر انني نشرت لها في تلك الفترة بعضا من كتاباتها. بعدها اختفت سناء لتظهر في هذا الشارع او ذاك من شوارع مدينتي،، فتحيي وتمضي، إلى أن انقطعت أخبارها في العقدين الأخيرين، وقد عرفت مما توفر لدي من معلومات قمت بجمعها لغرض كتابة هذه المادة، أنها عملت في عدد من المؤسسات، أما المرض العضال فقد علمت أنه داهمها قبل حوالي العقد من الزمان، واستوطن في دمها، إلى أن قضى عليها في يوم صيفي حار من السنة الماضية.

لا أخفي ان نبأ الرحيل المبكر لهذه الشاعرة الإنسانة هز كياني وأدخلني في حالة حزن لما اخرج منها حتى الآن، فقد كانت سناء، أنسانة خفرة حيية، بعيدة كل البعد عن الادعاء والاستعراض وما شابه من صفات باتت اليوم في عصر الانفجار المعلوماتي والامكانيات غير المحدودة للنشر، لا سيما في الفيس بوك، واحدة من الملامح التعيسة التي تميز الكثيرين. وكنت وما زلت أرى فيها مثالا لتواضع المبدع الخلاق البعيد عن التنفج والادعاء .

لقد عاشت هذه الشاعرة المولودة لعائلة صفورية الأصل، بصمت، ورحلت بصمت، وأعرف عن قرب أنه كان بإمكانها لو أرادت ان تملأ الدنيا شعرا وضجيجا.. لكن ماذا بإمكان شاعرة حيية خجولة ان تفعل سوى كتابة ما يمور بوجدانها ويدور في خلدها؟ وسوى ترداد ما قاله شاعر العرب، ابو الطيب المتنبي عندما ضاق بالتفسيرات: أنامُ ملء جفوني عن شواردها ويسهرُ الخلقُ جر اها ويختصمُ.

أنني الآن وأنا اكتبُ هذه الكلمات عن شاعرة كانت بيننا ورحلت عنا بكل هذا الصمت المريب، أشعر بنسمة شجية تهب من الماضي لتغرقه أسى وتوجعا، وتساؤلا.. فلماذا يرحل المبدعون بصمت؟ ولماذا تُغي بهم يد الموت فيغيب معهم ماكتبوه وانتجوه خلال سنوات وسنوات من اعمارهم؟ وسؤال الى المؤسسة الثقافية، بما فيها اتحادا الكتاب، هل يفترض بنا ان نفعل شيئا ولو شيئا بسيطا حينما يرحل واحد منا كان بيننا.. واختطفته يد الردى في غفلة منا؟

 صورة رقم 1 - سناء السعيد.. شاعرة من الناصرة رحلت بصمت

spacer
spacer
الاعلانات على مسؤولية اصحابها، ولا يتحمل موقع فرفش أي مسؤولية اتجاهها
spacer