يعتبر القائد المصري جمال عبد الناصر، قدوة لأبناء كثيرين من هذه الأمة العربية، وهو رمز للنجاح والصمود، وعن خطابه الشهير الذي عرف بخطاب التنحي، كتب محمد زين العيدروس في السياسة الكويتية قائلا: "أربعون عاما، مرت على وفاة أشجع الرجال، وأنبل الرجال جمال عبدالناصر..هكذا نعاه السادات في بيان حزين للأمة.
شغل الأمة لحقبة من الزمن
وفي هذه الذكرى الحزينة، يستذكر الناس حياة هذا الزعيم الذي شغل الأمة لحقبة من الزمن، كانت منعطفاً تاريخياً في حياة الأمتين العربية والإسلامية. وهناك الكثير من الأحداث، التي وقعت في حياة هذا الزعيم، وإن كانت للأسف الشديد معظمها، عرضت مصر والعالم العربي للكثير من المخاطر، ووضعت مصر بالذات على صفيح ساخن أمام القوى الاستعمارية التي رأت أن وجوده يشكل خطراً كبيراً على مصالحها.
وبما أن الناصريين وغيرهم يستذكرون هذه الأيام، بعض تلك الأحداث، فهناك حدث مهم جداً، وهو يوم تنحي جمال عبدالناصر عن زعامة الأمة، حيث قال في بيانه: إنني أتنحى عن رئاسة الجمهورية وأعود إلى صفوف الجماهير.. حتى خرجت الملايين من أبناء مصر في الشوارع تطالبه بأن يبقى ولا زعيم إلا جمال، دار جدل كبير حول ما إذا كانت هذه الجماهير التي خرجت من القاهرة إلى أسيوط، ومن السويس إلى الاسكندرية من تلقاء نفسها أم أن الاستخبارات المصرية هي التي أعدت هذه الحشود سلفاً قبل إعلان بيانه بساعات قليلة، هناك من قال: إن تلك الجماهير خرجت من تلقاء نفسها مملوءة بشعور الخوف والحزن، وهناك من قال: إن المسألة كانت مرتبة وأعدت الحافلات لنقل الجماهير إلى منشية البكري حيث يقع بيت الرئيس عبدالناصر.
وحول هذا الأمر، فإنني أختزن في ذاكرتي قصة لم تغب عن ذاكرتي حتى الآن، ولن أدعي أنني شاهد على تلك الأحداث بتفاصيلها، لأنني كنت طالباً في ذلك الوقت بجامعة عين شمس، وكانت تربطني علاقات متنوعة مع عدد من الصحافيين والإعلاميين، وكذلك الفنانين، من بينهم على سبيل المثال: أنيس منصور وكمال الملاخ وغيرهما، ففي يوم إذاعة بيان التنحي الذي بث من تلفزيون القاهرة في الساعة الرابعة عصراً، اتصلت بي الفنانة ماجدة الصباحي إلى شقتي بمصر الجديدة، وطلبت مني الحضور إلى شقتها على وجه السرعة الكائنة في العمارة المقابلة لشيراتون القاهرة قبل الرابعة عصراً، ولا مانع من اصطحاب بعض اصدقائك، ولم تخبرني عن سبب دعوتها، وعلى الفور توجهت إلى شقتها واصطحبت معي زميلي في الدراسة أنور سيد يعقوب الرفاعي وطرنا بسيارته "الموستنج" الحمراء الى شقة "عذراء الشاشة"، وكانت تسكن في العمارة نفسها التي يسكنها محمد حسنين هيكل ولايزال، وهناك وجدنا بداخل الصالة الكبيرة جمع من الناس يزيد عددهم عن الثلاثين شخصا يجلسون على كراسي أعدت، وامامهم جهاز تلفزيون كان يبث الاناشيد الوطنية، ومن حول الجميع كاميرات التلفزيون التي اعدت كما يبدو لنقل تعبيرات وجوه الحاضرين وهي تسمع بيان التنحي، حتى ان ظهر جمال عبدالناصر بوجه حزين معلنا التنحي عن رئاسة الجمهورية ومعترفا بمسؤوليته عن النكسة أو الهزيمة التي حلت بالجيش المصري.
" المسألة كانت مرتبة!"
بعد ان انتهى عبدالناصر من بيانه هذا، خرجنا على الفور وكانت المفاجأة ان شوارع القاهرة قد امتلأت بالملايين من الناس وهي في حالة هياج وصراخ متجهة الى بيت جمال تهتف "نحن اخترناك يا جمال يا حبيب الملايين"! واستمرت الجماهير تتدفق من كل مكان حتى اليوم التالي، حتى خرج عبدالناصر مرة اخرى معلنا تراجعه عن التنحي استجابة لرغبة الجماهير.
هنا لا أستطيع ان اؤكد، ما اذا كانت الجماهير قد خرجت بدافع شخصي ومن تلقاء نفسها، أم بتحريض من قوى الاستخبارات المصرية، وحاولت فيما بعد ان اسأل الفنانة ماجدة عن سبب دعوتها لنا بالحضور وعن وجود كاميرات التلفزيون وما اذا كان هيكل جارها قد طلب منها ان تفعل ذلك، فكانت اجابتها غير واضحة. وعرفت فيما بعد، ان المسألة كانت مرتبة! إنني أروي هذه القصة، والشهود الذين ذكرتهم ما زالوا على قيد الحياة.. ولا تعليق!".
تعليقات الزوار | اضف تعليق
