ولدت ماري إلياس زيادة في مدينة الناصرة الفلسطينية، في 11 فبراير 1886، وكانت الابنة الوحيدة لأب لبناني وأم فلسطينية. وتلقت دراستها الابتدائية في المدينة المقدسة لدى المسيحيين "الناصرة"، أما المرحلة الثانوية فقد عاصرتها في لبنان. ثم انتقلت أسرتها الى القاهرة وتلقت تعليمها الجامعي في كلية الآداب، فأتقنت اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ود رستهما في مدارس العاصمة، كما أجادت الألمانية والإيطالية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسريانية، لكن معرفتها بالفرنسية كانت عالية للغاية، ولها عدة أشعار مكتوبة بالفرنسية، كما عكفت على إتقان اللغة العربية ولها دراسات في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسلفة في جامعة القاهرة.
صالون الآنسة مي
بدأت في كتابة مقالاتها الأدبية والنقدية والاجتماعية منذ صباها، وألمت بالثقافتين الشرقية والغربية، فلفتت الأنظار إليها سريعًا حتى ذاع صيتها، وأثارت اهتمام المثقفين والساسة والأدباء، وكانت تعقد صالونها الأدبي الذي عرف بـ"صالون الآنسة مي" كل ثلاثاء، واعتاد على حضوره كبار الأعيان والساسة والمثقفين أمثال محمد عبده، وقاسم أمين، وطه حسين، وإسماعيل صبري، ومصطفى صادق الرافعي، وكان الشاعر إسماعيل صبري يقول في صالونها: "روحي على بعض دور الحي حائمة.. كظامئ الطير تواقًا إلى الماء.. إن لم أمتــع بمي نــاظري غدًا.. لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء!".
ويقول مصطفى عبد الرازق عنها: "أديبة جيل، كتبت في الجرائد والمجلات، وألفت الكتب والرسائل، وألقت الخطب والمحاضرات، وجاش صدرها بالشعر أحيانًا، وكانت نصيرة ممتازة للأدب تعقد للأدباء في دارها مجلسًا أسبوعيًا، لا لغو فيه ولا تأثيم، ولكن حديث مفيد وسمر حلو وحوار تتبادل فيه الآراء في غير جدل ولا مراء".
احبها ثلاثة لكن قلبها اختار جبران خليل جبران
قالوا عنها: "جمعت بين جمال الروح والجسد في تناغم عجيب"، واشتهر بحبها مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد وجبران خليل جبران، أما قلبها الموصود فلم ينفتح إلا على الأخير، ذاك الذي عرفها عن بعد وهو في المهجر الأمريكي، واقتصرت العلاقة بينهما على تبادل الرسائل، والعجيب في قصتهما أنهما لم يتقابلا ولو لمرة واحدة، ورغم كثرة عشاقها، ماتت دون أن يمس ها رجلٌ، لتعيش وتموت واسمها مسبوق بلقب "الآنسة".
فلسفة في الزواج
بعد وفاة "جبران خليل جبران" عام 1931 اصابتها صدمة نفسية وجرح عميق، فازدادت تصميمًا على العزوبية. وقادتها فلسفتها إلى رفض الزواج، ذاك الذي زهدت فيه إخلاصًا لذاتها وحتى تعطي المثل في كون المرأة تمامًا كالرجل، تقدر على العزوبية وتبعاتها، وأنها ليست قاصرة تستكمل قصورها بالركون إلى الرجل والارتماء في أحضانه. كما اشتهرت بالحساسية الشديدة كونها امرأة وشاعرة.
في مستشفى المجاذيب
عانت الكثير بعد وفاة والدها عام 1929، ووالدتها عام 1932، وقضت بعض الوقت في مستشفى للأمراض النفسية بعد وفاة "جبران"، فأرسلها أصحابها إلى لبنان حيث يسكن أقاربها، إلا أنهم أساؤوا إليها، وأدخلوها مستشفى الأمراض العقلية ( مستشفى المجاذيب مدة 9 أشهر، فاحتجت الصحف اللبنانية وبعض الكتاب وعلى رأسهم المفكر اللبناني أمين الريحاني بعنف على ذلك السلوك السئ، فنقلت إلى مستشفى خاص في بيروت، ثم انتقلت بعد ذلك إلى القاهرة.
وفاتها
توفيت الآنسة مي في مستشفى المعادي في 17 أكتوبر 1941، وتحت عنوان "انطفأت مي" نعى المفكر أمين الريحاني وفاة الآنسة بعدة مقالات، وقالت هدى شعرواي في تأبينها: "كانت مي المثل الأعلى للفتاة الشرقية الراقية المثقفة". ونحت على قبرها شاهدًا مؤثرًا جاء عاكسًا لوحدة وغربة شديدتين عانتهما في أواخر حياتها، فكتب عليه: "هذا قبر فتاة لم ير الناس منها غير اللطف والبسمات، وفي قلبها الآلام والغصات، قد عاشت وأحبت وتعذبت وجاهدت، ثم قضت". بتصرف عن المصري